الحرية: وهي الحرية الكسبية، وهي سبب للظفر بالحرية الوهمية. وهي غيبة العبد في مظاهر الرب. فتنتفي ظلمة الحدوث في نور القدم وتختفي قوالب العبودية في تجلي مظاهر الربوبية. فيبقى الحق بلا خلق فحينئذ يكتب للعبد عقد الحرية فتكون عبادته وعبوديته شكرا لا قهرا كما قال سيد العارفين: أفلا أكون عبدا شكورا؟ وقال إمام هذه الطائفة الجنيد: عبادة العارف تاج على الرؤوس، يعني كمال الكمال.
العبودية: وهي القيام بأدب الربوبية، مع شهود ضعف البشرية. وقال بعضهم: هي القيام بحق الطاعات، بشرط التوقير والنظر إلى ما منك بعين التقصير، أو ترك الاختيار فيما يبدوا من الأقدار، أو التبري من الحلول والقوة والإقرار بما يوليك ويعطيك من المنة. وعلامتها: ترك التدبير بشهود التقدير، وأجمع العبارات فيها، قول ابن عطاء الله: حفظ الحدود، والوفاء بالعهود، والرضا بالموجود، والصبر على المفقود. قلت: وأحسن ما في تفسير العبودية، أن تقدر أن لك عبدا اشتريته بمالك، فكما تحب أن يكون عبدك معك، فكن أنت مع مولاك، فالعبد لا يملك مع سيده شيئا من نفسه ولا ماله ولا يمكنه مع قهرية سيده تدبير ولا اختيار ولا يتزيا إلا بزي العبيد أهل الخدمة ويكون عند أمر سيده ونهيه وإذا كان حاذقا فاهما عمل ما يرضي سيده قبل أن يأمره ويفهم عن سيده بأدنى إشارة إلى غير ذلك من الأدب المرضية في العبيد المؤدبين. وقال أبو علي الدقاق رضي الله عنه: العبودية أتم من العبادة. فأول المراتب: عبادة ثم عبودية ثم عبودة. فالعبادة للعوام والعبودية للخواص والعبودة لخواص الخواص، قلت: والعبودة هي: الحرية الوهمية والله تعالى أعلم.
القناعة: الاكتفاء بالقسمة، وعدم التشوف للزيادة أو الاستغناء بالموجود وترك التشوف إلى المفقود وهي الحياة الطيبة والرزق الحسن، في قوله تعالى: ليرزقهم الله رزقا حسنا. على قول: أي والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتل بعضهم أو مات ليرزقن الله من بقى منهم خرجا يجولان فلقيا القناعة فستقرا فيها ومرجعها إلى سد باب الطمع وفتح باب الورع وهي مطلوبة في أمور الدنيا فقط وأما أمور الآخرة أو في زيادة العلم أو الترقي في المعرفة فمذمومة ولذلك قيل: القناعة من الله حرمان.
العافية: وهي سكون القلب وخلوه من الانزعاج والاضطراب والتقلب ثم إن كان بالسكون إلى الله والرضا عنه فهي العافية الكاملة وإن كان بجريان الأسباب للموافقة فهي العافية العادية. وفي الحديث: ما أعطى أحد بعد اليقين خيرا من العافية. فعافية العامة سكونهم إلى الأسباب فإذا انخرمت اضطربت قلوبهم وتزلزلت لخراجها من نور اليقين. وعافية الخاصة: سكونهم إلى مسبب الأسباب. فعافيتهم دائمة وربما يزيد يقينهم إذا انخرمت الأسباب. كما قال بعضهم: نحن كالنجوم كلما اشتدت الظلمة قوي نورنا. وقال ذو النون رضي الله عنه: لو كانت السماء من زجاج والأرض من نحاس ومصر كلها عيالي ما اهتممت لهم برزق. وعافية خاصة الخاصة: سكونهم إلى شهود الحق غائبين عن الأسباب وعدمها في بحر التوحيد وأسرار التفريد. لا تنزل الهموم بساحتهم ولا تكدر صفاء مشربهم جعلنا الله منهم آمين.
اليقين: وهو سكون القلب إلى الله بعلم لا يتغير ولا يتحول ولا يتقلب ولا يزول عند هيجان المحركات أو ارتفاع الريب في مشاهدة الغيب وعلامته ثلاث: رفع الهمة عن الخلق عند الحاجة وترك المدح في العطية والتنزه عن ذمهم عند المنعة. فيقين العامة: بتوحيد أفعاله، فسكنوا إليه في المنع والعطاء. ويقين الخاصة: بتوحيد صفاته، فرأوا الخلق موتى ليس بيدهم حركة ولا سكون. ويقين خاصة الخاصة: بتوحيد ذاته. فشاهدوه في كل شيء وعرفوه عند كل شيء ولم يشاهدوا معه شيئا. علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين. علم اليقين: ما كان ناشئا عن البرهان. وعين اليقين: ما نشأ عن الكشف والبيان. وحق اليقين: ما نشأ عن الشهود والعيان. فعلم اليقين لأرباب العقول من أهل الإيمان. وعين اليقين: لأرباب الوجدان من أهل الاستشراف على العيان. وحق اليقين: لأهل الرسوخ والتمكين في مقام الإحسان. ومثال ذلك: كمن سمع بمكة مثلا ولم يرها. فعنده علم اليقين بوجودها. فإذا استشرف عليها ورآها ولم يدخلها فعنده عين اليقين فإذا دخلها وعرف طرقها وأماكنها فهذا عنده حق اليقين وكذلك الناس في معرفة الحق تعالى. فأهل الحجاب استدلوا حتى حصل لهم العلم اليقيني بوجود الحق. وأهل السير من المريدين المستشرفين على الفناء في الذات حصل لهم عين اليقين حتى أشرفت عليهم أنوار المعاني وغابت عنهم ظلال الأواني غير أنهم باقون في دهشة الفناء لم يتمكنوا من دوام شهود الحق. فإذا تمكنوا من دوام شهوده ورسخت أقدامهم في معرفته حصل لهم حق اليقين. وهذه نهاية النعمة. وغاية السعادة. جعلنا الله منهم بمنه وكرمه.
النعمة: هي ملازمة الأفراح ومباعدة الأتراح وإصابة الأغراض ونزاهة الأعراض. وهي على قسمين: نعمة ظاهرة كالصحة والعافية والكفاية من الحلال. ونعمة باطنة كالإيمان والهداية والمعرفة. والناس في النعمة الظاهرة على ثلاثة أقسام: قوم فرحوا بالنعمة لما لهم فيها من المتعة فحجبوا بها عن المنعم وقوم فرحوا بالنعمة لإقبال المنعم عليهم حيث ذكرهم بها. وقوم فرحوا بالنعم دون شيء سواه. (قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون) فشكر الأولين يزول بزوالها وشكر الثالث دائم في السراء والضراء وهذا شكر الخواص.
الفراسة: وهي خاطر يهجم على القلب أو وارد يتجلى فيه لا يحظى غالبا إذا صفا القلب. وفي الحديث: اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله. وهي على حسب قوة القرب والمعرفة. فكما قوى القرب وتمكنت المعرفة صدقت الفراسة لأن الروح إذا قربت من حضرة الحق لا يتجلى فيها غالبا إلا الحق وهي ثلاث مراتب: فراسة العامة، وهي كشف ما في ضمائر الناس وما غاب من أحوالهم وهي فتنة في حق من لم يتخلق بأخلاق الرحمان. وفراسة الخاصة وهي كشف أسرار المقامات والمنازلات والإطلاع على أنوار الملكوت. وفراسة خاصة الخاصة: وهي كشف أسرار الذات وأنوار الصفات والغرق في بحر أسرار الجبروت. وقال الكتاني: هي مكاشفة الحق، ومعانية الغيب. وقال الواسطي: هي سواطع أنوار الذات وتمكين جملة السرائر في الغيوب من غيب إلى غيب حتى يشهد الأشياء من حيث إشهاده الحق إياها فيتكلم على ضمائر الحق. قلت: قوله: فيتكلم….. إلى آخره ليس بشرط في فراسة الخاصة والله تعالى أعلم. ابحث في هذا الكتاب بحث متقدم الكتب التي يتم البحث فيها مؤلفات تجانية بلغات أجنبية شراء الكتب الخلق: وهي ملكة تصدر عنه الأفعال بسهولة ثم إن كانت الأفعال حسنه كالحلم والعفو والجود ونحوها سمي خلقا حسنا. وإن كانت سيئة كالغضب والعجلة والبخل سمي خلقا سيئا. قال وهب: ما تخلق عبد بخلق أربعين صباحا إلا جعل الله ذلك طبيعة فيه. فالخلق الحسن يكتسب والسيئ يجاهد حتى يزول. والخلق الحسن يعدل الصيام والقيام وهي ثمرة التصوف. فمن لم يحسن خلقه فتصوفه أشجار بلا ثمار ومرجع حسن الخلق، ألا تغضب ولا تغضب ولا تبخل ولا تحقد وبالله التوفيق. الجود والسخاء والإيثار: فالجود من لا يصعب على صاحبه البذل، فمن أعطى البعض وأبقى الأكثر فصاحب سخاء. ومن بذل الأكثر فصاحب جود. ومن قاسى الضراء وآثر غيره فصاحب إيثار. فجود العامة: بالأموال. وجود الخاصة بالنفوس وجود خاصة الخاصة بالأرواح ليبذلونها للموت بالمجاهدة ثم تحيا الحياة الأبدية بالمشاهدة.
الفقر: وهو نقض اليد من الدنيا وصيانة القلب من إظهار الشكوى ونعت الفقير الصادق ثلاثة أشياء: صيانة فقره وحفظ سره وإقامة دينه. قال جعفر الخلدي: خدمت ستمائة شيخ، فما وجدت من شفى قلبي من أربع مسائل، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي: سل عن مسائلك؟ فقلت: وما التوحيد؟ فقال: هو ترك التفكر في ذات الله، فكل ما أتى به الوهم أو جلاه الفهم فربما عز وجل مخالف لذلك، فقلت: وما التصوف؟ فقال: ترك الدعاوي وكتمان المعاني. فقلت: وما الفقر؟ فقال: هو سر من أسرار الله يودعه فيمن يشاء من عباده فمن كتمه فهو من أهله وزاده الله منه، ومن باح به نفته الله عنه. قلت: جواب كل إنسان على قدر مقامه، كما قال عليه السلام: خاطبوا الناس بقدر ما يفهمون، فقوله عليه السلام في التوحيد أعلاه: ترك التفكر في ذات الله، أي لأن التفكر في كنه الربوبية منهي عنه إذ لا يدرك، وأما التفكر في أسرار الربوبية وأنوار صفاتها فلا عبادة أعظم منها. وقال عليه السلام في التوحيد: كل ما أتى به وهم…إلى آخره لا يدرك إلا حس الكائنات فهو قصير والفهم بالذوق لا يدرك أسرار التوحيد، لأنها خارجة عن الوهم ودرك العقل. فظهر معنى قوله عليه السلام: كل ما أتى به الوهم… إلى آخره، وقوله عليه السلام في شأن الفقر: من كتمه فهو من أهله، أي فيكون من السابقين ويزيده تعالى من أسراره وأنواره وهي حلاوة المعاملة والمعرفة. يحكى عن أبي علي الدقاق: أنه جلس يوما مع بعض أصحابه فكانت منه غفلة، حتى شكا ضيق حاله، فلما تفرق أصحابه، نام بعضهم فهتف به هاتف وقال: بالله أبلغ أبا عبد الله علي الدقاق ما أقول لك، ثم أنشد: قل للرويجل من ذوي الأقدار الفقر من شيمة الأحرار (البيت الأول ناقص الوزن) إن الذي ألبست من حلل التقى *** لو شاء ربك كنت عنها عار
الذكر: وهو إذا أطلق ينصرف لذكر اللسان، وهو ركن قوي في طريق الوصول وهو منشور الولاية. فمن ألهم الذكر فقد أعطي المنشور. ومن سلب الذكر فقد عزل. فذكر العامة: باللسان. وذكر الخاصة: بالجنان. وذكر خاصة الخاصة: بالروح والسر؟، وهو الشهود والعيان. فيذكر الله عند كل شيئ وعلى كل شيئ يعرف الله فيه. وهنا يخص اللسان ويبقى كالمبهوت في محل العيان وبعد ذكر اللسان في هذا المقام يكون ذلك ضعفا وبطالة…. الوقت: قد يطلقونه على ما يكون العبد عليه في الحال من قبض وبسط أو حزن أو سرور. وقال أبو علي الدقاق: الوقت ما أنت به في الحال. فإن كنت بالدنيا فوقتك الدنيا و‘ن كنت بالعقبى فوقتك العقبى. يريد أن الوقت ما كان الغالب على الإنسان. وقد يعنون به الزمان الذي بين الماضي والمستقبل. يقولون: إن الصوفي وقته. يريدون: أنه مشغل بما هو أولى به في الوقت. لا يدبر في مستقبل ولا ماضي بل يهمه ما هو فيه. وكل وقت له آداب يطلب فيه. فمن أخل بأدبه، مقته، ولذلك قيل: الوقت كالسيف، فمن لاينه سلم ومن خاشنه قسم. وملاينته القيام بأدبه بوقت القهرية. آدابه: الرضا والتسليم تحت مجاري الأقدار. ووقت النعمة، آدابه: الشكر، ووقت الطاعات، آدابه: شهود المنة من الله، ووقت المعصية: التوبة والإنابة. الحال والمقام: الحال: معنى يرد على القلب من غير تعمل ولا اجتناب، ولا تسبب ولا اكتساب. من بسط أو قبض أو شوق أو انزعاج أو هيبة أو اهتياج. ويظهر أثره على الجوارح قبل التمكين من شطح ورقص وسير وهيام. وهو أثر المحبة، لأنها تحرك الساكن أولا ثم تسكن وتطمئن. ولذا قيل فيها: أولها جنون ووسطها فنون وآخرها سكون. وقد يكتسب الحال بنوع تعمل كحضور حلق الذكر واستعمال السماع وقد يطلب اكتسابه بخرق عوائد النفس حين يعتريها برودة وفتور، وفرق وكسل. فينبغي أن يتحرك في تسخينها بما يثقل عليها من خرق العوائد وقد يطلق الحال على المقام فيقال: فلان ضار عنده الشهود مثلا حالا، ومنه قول المجذوب:
حققت ما وجدت غير وأمسيت في الحال هان
وأما المقام: فهو ما يتحقق العبد بمنازلته واجتهاده من الأدب وما يتمكن فيه من مقامات اليقين، بتكسب وتطلب. فمقام كل أحد موضع إقامته، فالمقامات تكون أولا أحوالا حيث لم يتمكن المريد منها لأنها تتحول ثم تصير مقامات بعد التمكين. كالتوبة مثلا تحصل ثم تنقص حتى تصير مقاما وهي التوبة النصوح وهكذا بقية المقامات. وشرطه: ألا يترقى مقاما حتى يستوفي أحكامه فمن لا توبة له، لا تصح له إنابة ومن لا إنابة له لا تصح له استقامته. ومن لا ورع له لا يصح له زهد. وهكذا. وقد يتحقق المقام الأول بالثاني، إذا ترقى عنه قبل أحكامه، إن كان له شيخ كامل وقد يطوي عنه المقامات ويدسه إلى الفناء. إن رآه أهلا بتوقد قريحته ورقة فطنته. فالأحوال مواهب والمقامات مكاسب. هذا معنى المقام بفتح الميم. وأما بالضم فمعناه الإقامة ولا يكمل لأحد منازلة مقام، إلا بشهود إقامة الحق تعالى فيه. وفي الحكم: من علامات النجح في النهاية الرجوع إلى الله في البداية وقال أيضا: من كانت بالله بدايته كانت إليه نهايته.
القبض والبسط: وهما حالتان بعد الترقي من حال الخوف والرجاء. فالقبض للعارف بمنزلة الخوف المطالب. والبسط للعارف بمنزلة الرجاء للمريد. والفرق بين الخوف والقبض وبين الرجاء أن الخوف متعلقه مستقبل، إما فوات محبوب أو هموم محذور. بخلاف القبض، فإنه معنى يحصل في القلب ‘ما بسبب أو لا. وكذلك الرجاء، يكون لانتظار محبوب في المستقبل. والبسط شيء موهوب يحصل في الوقت. فحقيقة القبض: انكماش وضيق يحصل في القلب يوجب السكون والهدوء.
والبسط: انطلاق وانشراح للقلب يوجب التحرك والانبساط. ولكل واحد آداب مذكور في المطولات. الخواطر والواردات:-الخواطر: خطابات ترد على القلب، تكون بإلقاء ملك، أو شيطان أو حديث نفس. فإذا كان من الملك، فإلهام أو من الشيطان فوسواس أومن النفس فهواجس. فما وافق الحق ودعا إلى اتباعه فمن الملك وما وافق الباطل أو دعا إلى معصية غالبا فمن الشيطان. وقد يدعوا إلى الطاعة حيث يترتب عنها معصية كالربا وحب المدح وما دعا إلى إتباع الشهرة والدعة أي الراحة فمن النفس. قال أبو علي الدقاق: من أكل الحرام لم يفرق بين الإلهام والوسواس وكذلك من كان قوته معلوما. وفرق الجنيد بين هواجس النفس ووسواس الشيطان بأن ما دعت إليه النفس لا تنتقل عنه بل تعاوده مرة بعد مرة، إلا بعد مجاهدة كبيرة ووسواس الشيطان ينتقل عنها، فإذا خالفته في معصية انتقل لأخرى وربما يذهب بالتعود ونحوه ولذلك كانت النفس أخبث من سبعين شيطانا. وأما الواردات: فهي ما يرد على القلوب من التجليات القوية والخواطر المحمودة بما لا يكون للعبد فيه تكسب والفرق بين الخواطر والواردات أن الواردات أعم من الخواطر لأن الخواطر تختص بنوع خطاب أو ما يتضمن معناه. والواردات: تكون وارد سرور ووارد حزن ووارد قبض ووارد بسط ووارد شوق ووارد خوف إلى غير ذلك من المعاني وقد يختطفه عن شاهد حسه وهو قريب من الحال وقد يأتي الوارد بكشف غيب فيجب تصديقه إن صفا القلب من كدورات الخواطر والله تعالى أعلم.
النفس والروح والسر:- النفس عند القوم: عبارة عما يذم من أفعال العبد وأخلاقه، فالأول ما كان من كسب العبد كمعاصيه ومخالفته والثاني ما كان من جبلته وطبيعته، كالكبر والحسد والغضب وسوء الخلق وقلة الاحتمال وغير ذلك من الأخلاق الذميمة، ينسب للنفس أدبا مع الحق. والروح: عبارة عن محل التجليات الإلهية وكشف الأنوار الملكوتية. والسر: عبارة عن محل التجليات الإلهية وكشف الأنوار الملكوتية للخواص والسر لخواص الخواص. والنفس لأهل عالم الملك، والروح لأهل عالم الملكوت والسر لأهل عالم الجبروت. وسيأتي حقائقها. وهل النفس والروح والسر متعددات في نفسها أو متحدة؟ وإنما تختلف التسمية باختلاف التصفية. قال بعضهم: النفس لطيفة مودعة في هذا القالب، هي محل الأخلاق المذمومة، كما أن الروح لطيفة مودعة في هذا القالب، هي محل الأخلاق المحمودة، ومحلها واحد، وهو الإنسان، فالنفس والروح من الأجساد اللطيفة، كالملائكة والشياطين. وهما ساكنان في الإنسان فكما أن البصر محل الرؤية والأذن محل السمع والأنف محل الشم من ذات واحدة فكذلك محل الأوصاف الذميمة النفس ومحل الأوصاف الحميدة الروح وأما السر فهو لطيف مودع في القلب كالروح إلا أنه أشرف من الروح لكمال صفائه. وقال الساحلي: النفس والقلب والروح والسر والباطن أسماء لمسمى واحد، وهو اللطيفة الربانية التي كان الإنسان بها إنسانا وتختلف أسماؤها باختلاف أوصافها، فإن مالت لجهة النقص سميت نفسا وإن تخلصت من مقام الإسلام إلى مقام الإيمان سميت قلبا وإن تخلصت منه إلى مقام الإحسان ولكن بقي فيها أثر النقص كأثر الجراحات بعد البرء سميت روحا، وإن ذهبت تلك الأثر وصفيت سميت بالسر وإن أشكل الأمر سميت بالباطن والاختلاف في الروح شهير. قال بعضهم: هي الحياة. وقال بعضهم: أعيان مودعة في هذه القوالب. أجرى الله العادة بخلق الحياة في القالب ما دامت فيه. فالإنسان حي بالحياة، ولكن الأرواح مودعة في القوالب، ولها ترق في حال النوم ومفارقة ورجوع هي التي وقع بها النفخ. وأما النفس هي مخلوقة في الجنين قبل نفخ الروح. بها يقع التحرك وهي ملازمة للبدن لا تفارقه إلا بالموت. فتخرج الروح أولا ثم تنقطع النفس فتنقطع الحياة للإنسان. فالإنسان روح ونفس وجسد. والحشر للجملة وكذلك العقاب والثواب. والأرواح مخلوقة قبل الأبدان سارية فيها سريان النار في الفحم والماء في العود الأرطب. قلت: هذه الأعيان المودعة في القوالب هي اللطيفة الربانية اللاهوتية وهي التي تتطور وتختلف أسماؤها باختلاف تطورها كما قال الربانية اللاهوتية. وهي التي تتطور وتختلف أسماؤها باختلاف تطورها كما قال الساحلي والله أعلم.
وكون الأرواح حادثة يجري على مذهب أهل الفرق وأما أهل الجمع فلا حادث عندهم لفناء الكائنات عن نظرهم. قال الجنيد: إذا اقترن الحادث بالقديم، تلاشى الحادث وبقي القديم وسألت بعض إخواننا العارفين: هل الأرواح حادثة أو قديمة؟ فقال الرجال: الأشباح عندهم قديمة يشير إلى مقام الفناء كما تقدم لكنه سر مكتوم. النصر والتأييد والعصمة: النصر تقوية الجوارح على فعل الخير والتأييد تقوية البصيرة من داخل في الباعث الباطني تأييد. والبطش ومساعدة الأسباب من خارج نصر. وهو جامع الهداية التي مرجعها للبصيرة العلمية الكاشفة. لما عليه الشيء بحقيقته والرشد الذي مرجعه إلى الإرادة الباعثة إلى جهة السعادة والتسديد الذي مرجعه إلى القوة على توجيه الحركات إلى صوب المطلوب وتيسيرها عليه ويقرب من التأكيد الجامع لما ذكر. العصمة:وهي عبارة عن جود إلهي. يسنح في الباطن يقوى به الإنسان على تحري الخير وتجنب الشر حتى يصير كصانع في باطنه غير محسوس. قاله الغزالي. فهذه ست حقائق: الهداية والرشد والعصمة والتسديد والنصر والتأييد وقد علمت كلها من كلام الغزالي رضي الله عنه. والتحقيق أن الهداية هي تصويب العبد إلى طريق توصله إلى الحق وقد تطلق على بيانها فقط. والرشد: هو توجيه القلب إلى طريق السعادة والتسديد: هو القدرة على سلوك طريق الخير وتجنب الشر. والعصمة: هو جود إلهي إلى آخر ما تقدم. الحكمة: وهي اتفاق الشيء وإبداعه ففي العلم تحقيقه والعمل به. وفي الأقوال: إيجازه وتكثير معانيه. وفي العمل إتقانه وإكماله. ويقال: نزلت الحكمة على ثلاث فرق: على ألسنة العرب، وأيدي الصين، وعقول اليونان والله تعالى أعلم.
العقل: وهو نور يميز به بين النافع والضار. ويحجز صاحبه عن ارتكاب الأوزار. أو نور روحاني تدرك به النفس العلوم الضرورية والنظرية أو قوة مهيأة لقبول العلم. سمي عقلا. لأنه يعقل صاحبه عما لا ينبغي وهو على قسمين: عقل أكبر وعقل أصغر. أما العقل الأكبر فهو أول نور أظهره الله للوجود. ويقال له: الروح الأعظم ويسمى أيضا القبضة المحمدية ومن نوره يمتد العقل الأصغر كامتداد القمر من نور الشمس. فلا يزال نوره ينموا بالطاعة والرياضة والتطهير من الهوى حتى يدخل العبد مقام الإحسان وتشرق عليه شمس العرفان فينطوي نوره في نور العقل الأكبر كانطواء نور القمر عند طلوع الشمس. فيرى من الأسرار والغيوب ما لم يكن يره قبل. لأن العقل الأصغر نوره ضعيف. لا يدرك إلا افتقار الصنعة إلى صانعها، ولا يدري ما وراء ذلك. بخلاف العقل الأكبر فإنه يدرك الصانع القديم قبل التجلي وبعده لصفاء نوره وشدة شعاعه. وفي بعض الأخبار: أول ما خلق الله العقل، فقال له: أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال: فوعزتي وجلالي لا أجعلك إلا فيمن أحببت من عبادي. أو كما قال عليه السلام، والحديث متكلم فيه. فالعقل الأكبر لا يناله إلا المحبون الذين اختارهم الله لمعرفته الخاصة. وأما العقل الأصغر فيعطيه للخاص والعام. وهو على قسمين: عقل موهوب وعقل مكسوب. فالموهوب هو الذي جعله الله فيه غريزة والمكسوب هو الذي يكتسب بالتجارب والرياضات وارتكاب المحن. قال بعضهم: وعلامة العقل ثلاث: تقوى الله عز وجل وصدق الحديث وترك ما لا يعني وقال عليه السلام: ألا وإن من علامة العقل التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والتزود لسكنى القبور والتأهب ليوم النشور. وقال بعض الحكماء: خير ما أعطى الإنسان، عقل يزجره فإن لم يكن فحياء يمنعه. فإن لم يكن فمال يستره. فإن لم يكن فصاعقة تحرقه تستريح منه البلاد والعباد. وهل الأرواح قبل الأشباح كان لها عقل أم لا؟ والتحقيق أنها كانت لها عقول مقتبسة من العقل الأكبر فلذلك أقرت بالربوبية بل كانت علامة دراكة للأشياء كما قال ابن البناء: والمعرفة والإدراك إنما يكونان بالعقل. فلما برزت لعالم الأشباح أزال الله منها ذلك العقل الذي هو من العقل الأكبر وأنبت فيها العقل الأصغر عند اجتناب الولد في البطن. فما زال ينموا إلى الحلم وقيل إلى الأربعين سنة فإذا اتصل العبد بالطبيب عالجه حتى يوصله إلى العقل الأكبر فيكون صاحبه من الأولياء الكبار وبالله التوفيق. التوحيد: وهو على قسمين: توحيد البرهان وهو إفراد الحق بالأفعال والصفات والذات من طريق البرهان، وتوحيد العيان وهو إفراد الحق بالوجود في الأزل والأبد. و قال الجنيد رضي الله عنه: هو معنى تضمحل فيه الرسوم وتندرج فيه العلوم ويكون الله كما لم يزل، وأصوله خمسة أشياء: رفع الحدث وإفراد القدم وهجران الإخوان ومفارقة الأوطان ونسيان ما علم وما جهل. قلت: والمعنى الذي تضمحل فيه الرسوم هو ظهور أسرار الذات فإذا وقع الكشف عنها بغيبة حس الكائنات التي هي أواني لتلك المعاني انفرد الحق بالوجود ويكون فيها لم يزل كما كان في الأزل كان الله ولا شيء معه وهو الآن كما كان فيرتفع الحدث وينفرد القدم ويهجر صاحب هذا الذوق جميع الإخوان إلا من يستعين بهم على ربه ويفارق الأوطان في طلب الحق لأن الهجرة سنة وينسى ما علم وما جهل أي يغيب عنه في جنب الكنز الذي ظفر به. وسئل أيضا رضي الله عنه عن التوحيد فقال: لون الماء لون إنائه, ومعنى كلامه رضي الله عنه أن الذات العلية كانت لطيفة خفية نورانية فلما تجلت بالرسوم والأشكال تلونت بتلونها فافهم وسلّم أن لم تذق ومقامات التوحيد غير متناهية، لأنها تتزايد بتزايد الكشف والترقي ففوق التوحيد التفريد، فانه أرق من التوحيد وأعلى، لأن التوحيد يصدق على توحيد أهل العلم والتفريد خاص بأهل الذوق وفوق التفريد:الأحدية والايحاد والفردانية والوحدانية والانفراد: وهكذا رتبتهم في القوة، فالأحدية مبالغة في الوحدة، والايحاد مصدر أوحد الشيء إذا صار واحدا والفردانية والوحدانية والانفراد معناها: إفراد الحق بالوجود ولا يكون إلا بعد انطباق بحر الأحدية على الكل بحيث لم يبق وجود لغيره قط وهو يذوق ذلك ذوقا ويغرق فيه غرقا ويقال لأهل هذا المقام الأفراد والآحاد وهم أكمل من القطب في العلم بالله كما قال الحاتمي وخارجون عن دائرة تصرفه والله تعالى أعلم. حقيقة الذات العلية: هي ذات كلية أزلية لطيفة متجلية بالرسوم والأشكال متصفة بصفات الكمال، واحدة في الأزل وفيما لا يزال، هذا رسمها بالخزاص وأما كنه الحقيقة فلا يحيط بها إلا هو تعالى. العما: هو عبارة عن صفة الذات العلية في الأزل قبل التجلي وحقيقة فضاء لطيف خفي صافى لا يدرك. لا حد لفوقيته ولا تحتية ولا لجوانبه الأربع، ولا نهاية لأوليته ولا لآخريته، خال عن الرسوم والأشكال متصف بأوصاف الكمال من القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام ويجمعه قول ابن الفارض في خمريته:
يقولون لي صفها فأنت بوصفه خبير أجل عندي بأوصافها علم
صفاء ولا ماء ولطف ولا هوى ونور ولا نار وروح ولا جسم
تقدم كل الكائنات حديثها قديما ولا شكل هناك ولا رسم