من أي الفريقين أنت ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله واهب النعم ، العزيز الشكور , الذي يعطي ويهب ويقبل ويرفع , والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد المطلب خير نبي أرسله , حبيباً لذاته أتخذه , ورحمة للأمة بعثه , وعلى الآل الكرام ذوي المناقب العظام , والفضائل النيرة , وعلى أصحابه الذين نالوا ما نالوا من مقام سام ودرجة رفيعة بمصاحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومجالستهم له

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أي الفريقين أنت؟..
لعلك تتوق إلى معرفة مصيرك، كما يتوق أغلب الناس؛ ولعلك تريد علامة من دنياك، تدل على مآلك في آخرتك. إن كنت كذلك، فاسمع قول الله تعالى: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ}[الواقعة: 88-94]. فمن كان من المقربين، فهو يعلم نفسه؛ ولا حاجة له بكلامنا هنا. وأما من كان من أصحاب اليمين، أو كان من أصحاب الجحيم، فإنا نقرب إليه الأمر.
لقد جاء في الحديث: « الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ»[أخرجه أحمد والحاكم عن أبي هريرة]؛ وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضا: « الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ »[متفق عليه]. يظهر من هذا، أنه بالنظر إلى الصاحب يعرف المرء نفسه. فمن كان يصاحب المقربين، فهو إما منهم أو من أصحاب اليمين؛ ومن كان يصاحب أهل الفجور والفسق، فهو من أصحاب الشمال، إن لم يتب الله عليه.
واعلم أن سر المناسبة بين الأرواح سر عجيب، لو تأملته لزدت به علما. وذلك أننا لو افترضنا شخصا من أهل البر، مر بجانبه شخص له عُشر واحد من الخير وتسعة أعشار من الشر؛ فإنه سيجد انجذابا إلى ذلك العشر، دون غيره؛ ومن هنا يدخل تلبيس الأشرار على الأخيار. ولو افترضنا أن رجلا من الأشرار، مر بجانبه شخص له عشر من الشر، وتسعة أعشار من الخير؛ فإنه لن ينجذب إلا إلى عشر الشر منه. وأما إن مر صاحب التسعة أعشار من الخير بأهل الخير، أو إن مر صاحب التسعة أعشار من الشر بأهل الشر، فإن الأمر يكون أوضح وأبين.
لذلك، فمن وجد نفسه يميل إلى أهل الخير ووجد نفسه يخالطهم، فليستبشر؛ وليسأل الله أن يثبته ويزيده من فضله؛ ومن وجد نفسه يميل إلى أهل الفجور، ووجد نفسه يخالطهم، فليبك على نفسه، وليرجع إلى ربه يسأله تبديل حاله والتوبة عليه.
هذا ميزان صحيح، يزن الناس به أنفسهم؛ ولكنهم لا يعملون به إلا قليلا. وتدخل عليهم الشياطين تلبس عليهم، فيوهمونهم أن المرء لا يضار من غيره، وقد يستدلون لهم بمثل قول الله تعالى:{ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الإسراء: 15]، وما يعلم المساكين أن تكثير سواد أهل الخير، هو من الطاعات التي يؤجر العبد عليها، وأن تكثير سواد أهل الشر، هو من المعاصي التي يأثم صاحبها.
أما المقربون فمعرفتهم أصعب من معرفة أصحاب اليمين، لأن أرواحهم ساكنة في حضرة القدس؛ فهم مجهولون لكلا الفريقين؛ إلا إن أشهد الله من يشاء من عباده بعضا من خصوصيتهم، فإنهم عندئذ يعرفونهم بتعريفه سبحانه. وأما إن حجبهم عنهم، فإنهم قد يرونهم على عكس حقيقتهم. وهؤلاء، يزن المرء نفسه معهم بالتسليم؛ فإن وجد معهم التسليم فهو بشارة له، وإن وجد اعتراضا فليخف على نفسه.
وعلى كل حال، فإن أردت أن تعرف إلى أي الفريقين تنتسب، فما عليك إلا أن تعمل بما دللناك عليه. والله يوفق من يشاء إلى سواء السبيل.

ـــــــــ

ــــــــــــــــــــــــــــ

من فريقكم شيخنا الكريم
ومدد ياعم يارفاعى[b]