وإليك أيها القارئ المؤمن الكريم، صاحب اليقين
الراسخ، والاعتقاد السليم، إليك ما نقلته لك من مسلسل العلامة الأوحد والعلم المفرد، مولانا السيد أسعد المدني الحسيني مفتي المدينة المنورة، وقد جعلته قسمين، فالقسم الأول منه وضعته تحت عنوان: (ذخائر الأكابر)، والقسم الثاني عنوانه: (تحقيقات العارفين، قرة عيون الموقنين)، نفع الله بها المؤمنين والمسلمين، وأقر بها عيون الموقنين، وسائر المحبين، والمنتمين والمتبركين، إنه أكر الأكرمين.
ذخــائــر الأكــــابــر قال رضي الله عنه (أي السيد أسعد) في مسلسله: قال لي يوما مولاي العلامة قاضي الحرمين محمد مكي أفندي طيب الله روحه: أنتم ريحانة الأشراف، تبوأ نسبكم المعالي من كل الأطراف.
وقد أخذ عن والدي طريقة السادة الأحمدية وتلقن منه الذكر هو والعارف بالله أحمد القشاشي بيوم واحد، وأجازهما بالصلاة الكاملة التي هي من أشهر صيغ الصلوات المنسوبة للإمام السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه وهي:
(اللهم صل صلاة كاملة وسلم سلاما تاما على نبي تنحل به العقد وتنفرج به الكرب وتقضى به
الحوائج وتنال به الرغائب وحسن الخواتيم ويستسقى الغمام بوجهه الكريم وعلى آله وصحبه وسلم).
ولهذه الصيغة الشريفة شروط تلقاها السلف الصالح عن السلف الصالح طبقة بعد طبقة إلى الإمام الرفاعي رضي الله عنه، قالوا: إن كانت قراءتها بنية قضاء حاجة فلتكن القراءة في مكان خال، وتقرأ والقارئ مستقبل القبلة بالاعتقاد الجازم بان الله يقضي له حاجته ببركة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعدد أقله ثلاثمائة وثلاث عشرة مرة، وأيام متواليات أقلها أسبوع، وتكون التلاوة مساء وصباحا، وإن كانت لدين أو لتخلص من شر عدو أو من عدوان ظالم فلتكن التلاوة بهذا العدد بعد كل وقت من الأوقات الخمسة، وتبتدأ التلاوة وتختم بفاتحة خاصة إلى روح النبي العظيم صلى الله عليه وسلم، وبفاتحة أخرى إلى أرواح الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وإلى
آل النبي وأصحابه وأتباعهم الكرام، وبفاتحة ثالثة إلى روح الإمام السيد أحمد الرفاعي وآبائه وذريته وعشيرته، وإلى الأولياء والصالحين أجمعين؛ فإنه مما جُرِّب مرارا أن الله يُحسن لقارئها بالمسرة والأمان وقضاء الحاجة.
وقالوا إذا تليت على نية رجل آخر بالكيفية المذكورة وسبق التلاوة صلاة ركعتين تطوعا لله تعالى، -"فإن صلاها بنية صلاة الحاجة كان أحسن؛ وهي عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم، فليتوضأ فليحسن الوضوء، ثم ليصل ركعتين، ثم ليثن على الله وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين)، رواه الترمذي وابن ماجة بسند حسن. تعليق الجامع" – يقضي له آرابه، وإذا قُرئت أسبوعا على نية شخص آخر أو على نية تاليها كل يوم ألفا وإحدى وعشرين مرة بصدق ونية جازمة، وتصدق صاحب النية أو من تلاها بينه وبين
نفسه بصدقة مقدار ما يلهمه الله على جماعة من فقراء المسلمين كل يوم من أيام الأسبوع لم يمض إلا اليسير إلا تحصل نيته كما يحب بإذن الله تعالى.
ومن داوم على قراءتها كل يوم أو تلاها له أحد بشروطها لا يحرق له مال، ولا يسرق ولا يغرق ولا يسلط عليه عدو بإذن الله وعونه، وقد أجازني بقراءتها بشروطها المرعية مولانا العلامة محمد مكي أفندي وهو أجيز من والدي المرحوم السيد أبي بكر أفندي، وسنده تقدم إلى القطب الأعظم شيخ الأمة السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه، وأني أجزت بقراءتها كل من تصل ليده لتحصل البركة لي ولإخواني المسلمين إن شاء الله تعالى.
وقال لي الملا محمد مكي أفندي أجازني والدك بقراءة بيتين في الشدائد بكيفية مخصوصة، ما تلوتهما بالكيفية التي أجازني بها إلا فرج الله كربي؛
والكيفية أن تصلي لله ركعتين، وتقوم فتستقبل القبلة وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين مرة ثم تلتفت إلى الشرق وتخطو ثلاث خطوات وتقرأ الفاتحة لروح السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه، (ثم تقرأ البيتين وهما):
يا كرام الحمى حسيبنا عليكم نحن يا عترة الرسول ضعاف
أدركونا فالخوف طم علينا والذي أم بابكم لا يخاف
وتستحضر روحانية السيد أحمد الرفاعي فإن الله تعالى ببركة ولايته يفرج عنك.
قلت: والبيتان نظم جدنا القطب السيد هاشم الأحمدي العبدلي قدس سره العزيز، والعلمل بهذا الوجه مروي عنه، وما جربت ذلك والله في مهم إلا فرجه الله، وإني أجيز بذلك كل مسلم يصل إليه هذا لوجه الله تعالى.
وما أحسن ما رتبه الإمام الرفاعي رضي الله عنه وأصحابه من تقديم صلاة ركعتين بين يدي توسلاتهم؛ وذلك لإظهار الذل لله تعالى والالتجاء إليه، ثم يكون الدعاء بعد ذلك مفتوح الباب؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الصلاة تمسكن وتواضع)، وكلمة "إنما" الداخلة على الألف واللام هي كلمة حصر وتحقيق، ولا ريب أن من تحقق بالتمسكن والتواضع لله، ودعا الله فإن الله يستجيب له.
تحقيقات العارفين، قرة عيون الموقنين، أما أهل العقول المنصفين، فيرونها حقا عين اليقين ويقول السيد أسعد أيضا رضي الله عنه:
ولا يخفى ما من الله به على عبده ووليه الإمام الرفاعي من العلم الجم والفضل العظيم؛ فإن كلامه أشبه بكلام جده المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبكلام جده علي المرتضى رضي الله عنه، ومجالسه ممزوجة بحال النبوة (برهانه المؤيد) و(حكمه) كلها آيات، ولنا بقراءتها إجازة عامة من طريق السيد محمد برهان بن خزام الصيادي الرفاعي رضي الله عنه، وخاصة المُلاَّ محمد مكي أفندي وهو من الوالد السيد أبي بكر، وهو يروي إجازته بسنده إلى جدنا الأعلى السيد هاشم الأحمدي إلى المؤلف رضي الله عنه.
قال الإمام العلامة عبد القادر الطبري الحسيني رضي الله عنه في كتابه "كشف النقاب عن أنساب الأربعة الأقطاب":
للأولياء مراتب مذكورة أعزها للأربع الأقطاب
والحق أرفعهم سليل رفاعة لم الأئمة أوحد الأقطاب
هو وارث الصديق أحمد مثل ما إخوانه ورثوا هُدى الأصحاب
ثم قال الإمام الطبري: والذي يظهر لي أن الأقطاب الأربعة ورثوا هدي الصحابة الأربعة، فالسيد الرفاعي ورث هدي الصديق، والشيخ الجيلاني ورث هدي الإمام الفاروق، والسيد البدوي ورث هدي الإمام ذي النورين، والسيد الدسوقي ورث الإمام الكرار، وكلهم على هدى رضي الله عنهم أجمعين.
وإن من أمعن النظر يرى أن ما قام بطور السيد الرفاعي
من الخشية والأدب والتحقق بالحال المحمدي عين ما قام بطور الإمام الصديق.
وما قام بطور الشيخ الجيلاني من الصولة والهمة وغلبة الحال عين ما قام بطور الإمام الفاروق.
وما قام بطور السيد أحمد البدوي من دهشة الحياء من الله، والحيرة بعظمته عين ما قام بطور الإمام ذي النورين.
وما قام بطور السيد الدسوقي من القول الفصل والقاهرية وصدق الإرادة، عين ما قام بطور الإمام الكرار رضي الله عنهم.
وما العزة المسلمة لهم، والقول بجليل مراتبهم فأعزها مقاما، وأجلهم مرتبة الإمام الصديق من الصحابة الأربع، والسيد الرفاعي من الأقطاب الأربع، وكلهم أئمتنا ومشايخنا وأكابرنا رضي الله عنهم وأرضاهم ورضى عنا بهم.
قلت (المتكلم السيد أسعد رضي الله عنه): وقرر الإمام الطبري في هذا المقام تقريرا حسنا مشبعا، وختم بحثه هذا بقوله وكلهم أعني الأربعة أشراف من أهل البيت وأنسابهم ترجع إلى الإمام الحسين رضي الله عنه إلا الجيلي فإنه حسني، وإن أولهم في المرتبة والمقام وأقربهم في منزلة التمكن من البساط المحمدي في المنزلة والكلام، إنما هو السيد أحمد الرفاعي؛ هذا ما ظهر لي من تراجمهم وأحوالهم وآدابهم وكلامهم والله يرضى عنهم وينفعنا بهم والمسلمين.
يقول جامعه: ويحسن هنا للمناسبة وقرب المعنى قول سيدي أبو البراهين السيد محمد مهدي الرواس رضي الله عنه:
أقسم بالله ومن أقسم بالله للحق الصريح أنتمي
أن رسول الله في قبره حي يجيب المرء إن سلما
ويسعف العاني ويولي الرضا ويكرم الجار ويحمي الحمى
وآله وصحبه بعده قاموا بآفاق الهدى أنجما
وسيدوا الدين وقد أحكموا بنور طه كل ما أحكما
وتابعوهم تبعوا إثرهم فجددوا الدين بعزم سما
وبعدهم جاء الرفاعي من آل علي علما عيلما
مجدد الوقت بإرشاده وشيخ من تحت أديم السما
لاثم كف المصطفى جده شمس الهدى في طي ليل العما
صلى عليه الله ما كوكب لاح وإعظاما له سلما
وقال السيد أسعد المدني رضي الله عنه:
قال العلامة الطبري أيضا في كشف النقاب: جرب جماعة من مشايخنا قراءة هذين البيتين اللذين سنذكرهما في المهمات ففرج الله عنهم، ودأبهم أن يُصلوا قبل تلاوة البيتين على النبي صلى الله عليه وسلم ما تيسر ثم يُتبعون ذلك بالفاتحة لروحه عليه الصلاة والسلام، ويقولون: بعد جمع الهمة باستحضار روحانية الإمام السيد أحمد الرفاعي
رضي الله عنه والتوجه لمرقده بواسط:
إشفعوا رجال واسط فينا لنبي الهدى والرحمن
وأعينوا بكشف ما نحن فيه يا رجال الإيمان والقرآن
ويختمون ذلك بفاتحة لروح السيد أحمد الرفاعي وآبائه وعشيرته وذريته ولعباد الله الصالحين أجمعين.
وقد جربت في أمور فيسرها الله لي بمدد رسول الله صلى الله عليه وسلم وببركة وليه السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه. انتهى ما أورده السيد أسعد عن الإمام الطبري.
يقول جامعه وملخصه: قد انتهى ما قصدت نقله من مسلسل السيد أسعد المدني الأحمدي الحسيني رضي الله عنه وعن سائر آل البيت الطيبين الطاهرين، ففي "السر المصون" لمن ظفر به كفاية. وبـ "السيف القاطع" لمن كان مظلوما قد تتحقق الغاية، وإذا سلكت "سبيل النجاة الأمين الممهد" تيقنت أنك في ضمان
الله ورسوله إكراما لولده السيد أحمد رضي الله عنه، فاسمع ما يقوله به ولده البار الأمين، والصادق الناصح لعموم إخوانه المسلمين، الكنى بأبي البراهين، والمدعو بغريب الغرباء بين جميع المقربين، والمسمى بالسيد محمد مهدي بهاء الدين، آل خزام الصيادي الرفاعي الشهير بالرواس رضي الله عنه وعن سلفه وخلفه وعنا بهم يا رب العالمين، فإنه جمع جميع المعاني التي تقدمت في أقوال الأئمة والأولياء والعارفين والمحققين الذين ترجموا السيد أحمد الكبير الرفاعي وحكوا مناقبه وفتوته وكراماته وسموه وارتفاع مكانته وعريض جاهه، وقربه من البساط المحمدي، واستمر الكرم الإلهي في طريقه الأحمدي، فقد جمع هذا كله ولده وزاد عليه ونظمه ببلاغة وإيجاز، وإيضاح لا يستطيعه الناثر القدير، فضلا عن الناظم لولا أنه مستَمَد من جوامع الكلم ونور الإعجاز، ولما يعلمه عنه من المعلومات الدقيقة،
وقربه المعنوي الذي لم يدانيه مثله أحد قبله في الحقيقة، حتى سُميَ بـ (الرفاعي الثاني)، ودعي بـ (غريب الغرباء) بين أهل حضرة القرب من قبل جده الهاشمي العدناني صلى الله عليه وسلم، فاسمع أخي لقوله، وتمسك بحبله، وتابعه بأدبه، كي تحظى بقربه، وتقرب أيضا بنوابه القائمين ببابه، والعامرين لمسجده ورحابه، فقد حققوا فيه بمشيئة الله جميع ما ذكره بدرته البيضاء، وقاموا بنشر عطره وتقرير مشربهبرحب روضته الهدائية الغراء، وقد تربى هو بين أبيه أحمد الأولياء وجده محمد الأنبياء صلى الله على صاحب الخلق العظيم وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا يا كريم، فانظر إلى هذا المشرب ما أعذبه، وإلى هذا الغذاء الروحي ما أطيبه، فبأهله يلوذ اللائذ، ومن تعوذ بجاههم فهو بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم عائذ، قال رضي الله عنه:
إن معنى الهيام بالأولياء لهيام بخالق الأشياء
وغرام القلوب بالقوم حقا فيه شأن من واردات السماء
أَلِفَ القلب صدقهم وهُداهم ورأى ميلهم عن الآلاء
صعدوا بالقلوب سلم ذوق كشفوا فيه مسدلات الغطاء
طلبوا ربهم وفاتوا سواه وتناهوا بالرتبة القعساء
فلهذا مال الفؤاد إليهم بانقطاع لأرحم الرحماء
وضليع إن كان في ساحة القو م مشوا فيه فارغ الأعباء
حملته ركبانهم بامان أين ساروا في مهمه البيداء
ومحبٌّ رأى خطاياه طمَّت ورمته الشؤون بالأهواء
عاجزٌ مذنب كليل كسول ذو انحطاط عن همة العظماء
موثَق بالهوى فقير ضعيف فتوارى بالحب للأقوياء
راجيا جاههم إذا دهم الأمـ ر بيوم المصيبة الغماء
ولهم في غد شفاعة وجهٍ صح هذا عن سيد الأنبياء
فالزم الأولياء قلبا وحقق ودهم في سريرة خلصاء
واستقم عاشقا وحاذر تُبارح بابهم حال شدة أو رخاء
وتململ برحبهم وارو عنهم حالهم واحفظن حقوق الثناء
هم ملوك الحمى أسود التجلي أهل شق الغبار في الهيجاء
وتمسك عني بحبل فتاهم شيخهم أحمد أبي العرجاء
فحل كبارهم عظيم المزايا المفدَّى رب اليد البيضاء
علم الأولياء ذخري أبو العـ باس ليث الكتيبة الصماء
بارق الغيب في بروج التدلي والتجلي وكوكب البطحاء
ومُغيث المريد قربا وبعدا تاج أهل الوحي حمى الفقراء
تتوالى أسراره في كل آن كتوالي شمس الضحى بالسناء
هاشمي الجناب من أهل بيت عز ركنا بالسادة الأوصياء
ذو المعالي مستودع المدد المحـ ض بمضمون سينه والراء
كم أذل الأُسُود عبد حماه حين ناداه في طوى الفيفاء كم أعاد السموم ماء زلالا باسمه والنيران ماجت بماءعلم الشرق صاحب الفتق والرتـ ق فتى الحق وارث الإيحاءنغمة النفحة التي قد تدلت لعليٍ والبضعة الزهراءحضرة القرب في علا حضرة العـ ـد انجلاءً في حضرة الفيحاءما تنشقت عطره بمديح ضمن داء إلا وعوفي دائيهو عزي إن صادمتني الليالي هو سيفي البتار للأعداءكاظم الغيظ جده قد جلاه بدر أُنسٍ مذ لاح بالأبواءقدس الله سره فهو ابنُ شاد حصن الفخار للآباء
عطر الله قبره فهو جَد فيه سعد السعود للأبناءعن عليًّ أتى بشأن عليًّ مثلما النقطة انطوت بالباءذو قبول من الرسول قرب علنيٍّ يعلو عن الإيماءالكبير الشأن المفدى إمام الـ ـقوم سلطانهم مدار الرجاءلم يخف صدمة الزمان محب لاذ في بابه بصدق انتماءيا رئيس الأقطاب حيا وميتا يا ابن بنت النبي يا مولائيأنت بابي للهاشمي ونوري بسلوكي في اللجة الظلماءأنت معراج همتي للترقي بك تسمو إلى عنان السماء رضي الله عنك ما انفلق الصبـ ـح بنور مشعشع الأضواء وعليك السلام يا ابن رسول اللـ ـه دهرا من حضرة الأسماء * * *
ولد السيد أحمد رضي الله عنه بـ (أم عبيدة) قرية قرب واسط بالعراق سنة اثنتي عشر وخمسمائة، ونشأ بها وكبُر واشتهر وانتهت إليه رياسة وقته علما وعملا وكمالا وعرفانا، ومدت له يد النبي صلى الله عليه وسلم عام حج؛ وتلك سنة خمس وخمسين وخمسمائة في مشهد –في الحرم النبوي- من الألوف، وقد قبلها أمامهم وهو يرون وينظرون، وتوفي بـ (أم عبيدة) سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، ولم يترك فضيلة شرعية، ومزية علية إلا وأدركها، وطبقت علومه وأتباعه الأرض، رضي الله عنه ونفعنا بعلومه والمسلمين. (آمين، وصلى الله على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين).
انتهى الحزب المسمى (سبيل النجاة الأمين الممهد)، وما ضم من زيادات وخيرات نفع الله به وبها إخواننا المسلمين، وحقق لكل طالب خير ومُلتجئ من كل شر وضير مقصده ومناه، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله.
يلي هذا الحزب فائدة غريبة، وتحفة عجيبة، أردت أن يطلع عليهما كل راغب في هذه الحزب، لأنهما تمتان له بصلة وقرب، فيرى الراغب أن له أسوة بإخوانه الصالحين، فيتأدب بأدب الأولياء والعارفين، والله المسؤول أن يقوينا بطاعته ومرضاته، فإنه جل جلاله هو حسبنا، وهو الهادي المعين لسائر مخلوقاته.
فائدة غريبة وتحفة عجيبةمن منهل الأئمة الأنجاب، وعقبهم السادة الأقطاب إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس آل البيت ويطهركم تطهيرا
أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون َ}62{الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ {63} لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {64}
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
(فذلكة الفائدة)
وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ {33} وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ {34} وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ {35} وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ {36}
صدق الله العظيم
فــائــدة غــريــبــــة(خلاصة حقيقية، من واقعة معنوية)
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ
}118{ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ {119} وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {120} وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ
اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ {121} وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُون َ}122 { وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {123})
يقول جامعه: هذه فائدة غريبة إلا أنها تمت لهذا الحزب بصلة دقيقة، وتشير لمعناه بإشارة رقيقة؛ فالمؤمنون الحقيقيون، والموقنون الراسخون يؤمنون بها ويستفيدون منها، ولعلها تذَكِّر أضدادهم ومبغضيهم فيتوبون ويرجعون عن غيهم وتماديهم، وإلا خذلهم الله في مستقبلهم وحاضرهم، وسوَّد صفحة تاريخهم بماضيهم، حمانا الله من ذلك ووفقنا لمحبة أهل الحق، ومناصرة كل محق، آمين.
قال سيدنا السيد محمد مهدي آل خزام الصيادي الرفاعي الشهير بالرواس رضي الله عنه في كتابه "طي السجل":
حصلت لي واقعة معنوية فصَّلتها في "البوارق" سألخصها هنا لمناسبتها للمقام:
إن عباد الله المحببين إليه من آل نبيه مذهبهم حق،
وأضدادهم مذهبهم باطل، فإذا برز عبد فاطمي من المحبين برز بثوب مذهبه، فرأته عين ضده انفصلت الوصلة الجامعة بينهما، فنفرت منه نفسه وقام من نفسه الخبيثة لنفسه صفات مذمومة أصلها منه، رآها بالعبد المحبب فذكرها ويزعم أنها صفات المحبب، وربما أخذه حقده وبغضه لضده في صفة المحبب، وربما أخذه حقده وبغضه لضده في صفة المحبب فافترى عليه وكذب خاض به فألبسه من أثواب أباطيله البهتان، وتجرأ عليه بمحض العناد الظلم والعدوان، وهو في مشهده المزعوم كاذب، وفيما افتراه فاجر، وليس بضارِّه بشئ بإذن الله. والمحبب محفوظ الجناب.
وهذا حكم شامل لكل مقتد بالآل من أهل الحق، ومسبة المبطل لا تمس المحق، فإن الذي سبه المبطل صفات نفسه المذمومة، والذي لغط به وافتراه صفته أيضا، وقد أفرغ هذا السر للعبد المحبب من حال النبي
صلى الله عليه وسلم؛ فإن قريشا كانوا يسبونه، وإذا سبوا سبوا مذمما فلا يغتم لذلك، لأنهم يسبون مذمما وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وبهذا جاء الخبر عنه صلى الله عليه وسلم، فإنه قال عليه الصلاة والسلام (ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم؟ يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد)، رواه امة من ثقات المحدثين كالبخاري ومسلم.
وصرفُ قلوبهم وألسنتهم – أعني الطاعنين الشاتمين للنبي صلى الله عليه وسلم – صرف إلهي، يشمل أعداء وراثته عليه الصلاة والسلام في كل زمن؛ فإنهم كانوا إذا سئلوا يقولون: إنما نشتمه لأنه كذاب أشر، ومجنون أُزدُجِر، ونطعن في إفك افتراه. حالة كونه عند ربه وعند أحبابه والخاصة من خلقه، هو الصادق الأمين المبارك السيد العظيم العلة الغائية الرحمة الجامعة الشاملة العامة.
فمشتومهم الكذاب وكلهم ذلك، ومسبوبهم المُعلَّم
وكلهم ذلك، والحبيب العزيز القدر بريء عند الله، وأهل الحق من خلقه، وإن خوض أهل الباطل وبغضهم لأهل الحق هو انتصار الله تعالى لأهل الحق، قال نبينا العظيم عليه أفضل الصلاة والتسليم (كفى بالرجل نصرا أن ينظر إلى عدوه في معاصي الله تعالى)، جاء هذا الحديث برواية علي عليه السلام ورضي الله عنه وكرم وجهه.
وقد ترى حال أهل كل عصر وحظهم مع الله تعالى بمرآة الحال المحمدي، وهي عصابة أهل الحق، فكيف أقوال أهل الزمان فيهم، وحبهم لهم، وانتظامهم بسلكهم، وقيامهم بحوائجهم، وغارتهم لهم، وقدرهم عندهم وفي قلوبهم، فهم عند الله تعالى بهذه النسبة، وعكس ذلك كذلك، وأخشى ما يخشى العارف زهد أصحابه وأقاربه فيه، ولذلك يُرى في كل عصر أقل الوارث ورَّاثهم،
ويشهد لذلك ما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أزهد الناس في العالِم أهله وجيرانه).
وفي التوراة: ما كان حكيم قط في قوم إلا بغوا عليه وحسدوه.
وقد كان الأئمة الشُّعث الغُبر وارث حال المصطفى عليه الصلاة والسلام وعليهم من خاصة أهل بيته مع ما هم عليه من العلم والفضل، والزهد والحكمة، والشرف الوضاح، وجلالة القد، وعلو الجانب، وعزة الجناب حتى كأنهم من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام، ولا زالوا محسودين مبغوضين ، بغى عليهم أهل زمنهم وأساءوا لهم وأهانوهم، وهم بين شهيد بالسيف، وشهيد بالسم، ومكمود بالغم، وقد كانت طوائف العمال من جماعة ملوك أمية وبني العباس إذا قصدوا الحجاز تبعتهم الجنائب، وحدت لهم حُداة الركائب، وضُربت
لهم الأخبية على الطرق بأطراف خيوط الذهب وصحاف الفضة، وخيام الحرير، ومدت الأسمطة بأواني الصين، وصبت لهم كراسي الذهب وأسرة الجمان، هذا ومنهم العبد الخصي، والعبد الأسود الأجوف والفاجر والخمور والكذاب والمتجاوز الحدود، والمتخوض في مال الله بغير حق، وآل محمد عليه وعليهم من الله أفضل الصلاة والسلام على أقتاب الإبل، ويتظللون بأشجار الغيلان، وأثوابهم مرقعة، وأوانيهم الأرض، وملاعقهم أكفهم، وطعامهم خبز الشعير، وإذا كانوا في مجلس تقدمهم أولئك الطغام، وبقى لهم أطراف المجلس وأواخر الخطاب، وقد انتهكت حرمتهم، وسلبت حقوقهم، وفُعل بهم ما يُفعل بالحربيين، سبحان الله رب العالمين.
وفي هذه الأدلة من أسرار الله للعارف ما يُلزمه بالرضا المحض من الله تعالى.
وقد رأيت قوما يقولون هذه الخصوصيات للعارفين الذين هم من أهل الاطلاع، وقد عرفوا بوعد حق ما أعد الله لهم من قرة أعين، ولو بلغنا مثل هذا لصبرنا كصبرهم، ورضينا كرضاهم، اطمئنانا بوعد الله تعالى.
والجواب: هذا من مغالطات الشيطان، ومصارعات النفوس، إذ الوعد الإلهي ثابت لكل مؤمن صبر ورضي بنص (إن الله مع الصابرين) (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)، فالصابرون المبشرون بالمعية، والمتقون المؤمنون الموعودون بها، والمراد بالمؤمنين هنا المطمئنون بوعد الله تعالى لأهل الإيمان به، والله تعالى قال (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)، وعلى ما ذكر فهذه الدنيا المؤقتة الكاذبة لا الغلبة فيها غلبة، ولا المغلوبية فيها مغلوبية، وإنما كلاهما يظهر في الآخرة الباقية، بين يدي من يعلم السر والعلانية. انتهى كلام السيد الرواس رضي الله عنه.
يقول جامعه: وددت لو أن جميع المؤمنين وسائر المسلمين أدركوا سر هذه الفائدة التي مرت وما انطوت عليه من المعاني العظيمة، والنصائح القويمة، وتيقنوا حتمية هذه البشارة، وخطورة هذه الإشارة، ففهمها واعتبارها لدى جميع الناس من أهل الظاهر والباطن مفيد وأي مفيد، وتأدب العموم بمقتضاها مما يحققهم مع مولاهم بصفات خلص العبيد، فأسرارها تصلح لكافة الطبقات من الناس، للسائس والمسوس، للرئيس والمرؤوس، كيف لا وهي كما ترى سبيكة رصعناها بجواهر تقدمتها من كلام رب العالمين، ومن ضمنها درر من احاديث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وهي من سبك الإمام الرفاعي الثاني أبي البراهين السيد الرواس رضي الله عنه، ونفعنا بعلومه ومحبته وأحواله، وزادنا الله من متابعته بأقواله وأفعاله آمين.
تحفة الأقطاب لأولي الألباب فاستمسك بالذي أحي إليك إنك على صراط مستقيم وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تُسألون
ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة
فاتقوا الله لعلكم تشكرون
(فذلكة التحفة)
(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)
وقال تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)
وقال تعالى (واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأُنبئكم بما كنتم تعملون)
صدق الله العظيم
(تحفة عجيبة)
تحفة الأقطاب لأولي الألباب هذه تحفة الأقطاب، أعني السادة الأجلة، الإمام السيد أحمد عز الدين الصياد الرفاعي دفين متكين، يسأله ولده البار السيد محمد مهدي الصيادي الرفاعي الشهير بالرواس عن قول جدهما القطب الغوث أبي العلمين السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنهم فيقول:
ما قصد جدك الإمام الأعظم الرفاعي عطر الله مرقده بقوله في بعض مجالسه: لو تكلمت السنَّة لفضحت أمة تدَّعي العمل بها وهي على البدعة؟
فقال: يعني بـ "لو" الامتناعية عدم إمكان صيرورة المعاني أجساما تنطق، فإن السنة السنية معنى نطق به
الحبيب الأعظم، البر الكريم، الرؤوف الرحيم، فالحكم ظهر به ولا جسم هناك ينطق، والحكم بيِّن لكن تلبس بأهل السنة قوم وليسوا منهم، بل هم من أهل البدعة، فضربوا حجب زورهم على الأعين وادعوا العمل بالسنة، وهناك لو كانت المعاني أجساما، والأحكام ألسنا ناطقة لقالت بملء فيها: ما أنا كما يقولون، ولا ما يدعون، وهنالك يفتضح أهل البدعة.
فقلت: وما قصده من قوله أيضا:
أقل الناس لحوقا بمرتبة وراثة متبوعيهم أتباع الأقطاب الكمل المحمديين، والمحققين منهم المتمكنين، لانطوى أسرار البدايات، ونشرها شيئا فشيئا، ولمزلقة رؤيا البداية مع جهل كامنها في مراتب النهاية.
فقال: يريد أن أتباع أولئك السادة ينتظمون بسلك خدامهم في بداياتهم، وشأن بداية المحمديين الضعف
المطوية فيه القوة، والفقدان المطوي فيه الوجدان، والذل المطوي فيه العز، والانحطاط المطوي فيه الارتقاء، والمغلوبية المطوي فيها الغالبية، والوحدة المطوي فيها الكثرة، والتجاهل المطوي فيه العلم، والرد المطوي فيه السعد، والهجرة المطوي فيها النصرة، والقطيعة المطوي فيها الوصل، والخوف المطوي فيه الأمن، والتكذيب المطوي فيه التصديق، مع حقائق تتناقض عند منتقدها من المحجوبين، ورقائق تعارض نسبة آراء أولئك المنتقدين، واختلاف شؤونات وانحجاب حقائقهم المطويات؛ فكلما تقدم المحمدي إلى كشف حقيقة قوة أهل الحجاب من اتباعه ضعفه الدائي فعجبوا، وكلما برز بوجدانه شهدوا فقدانه البدائي فاستغربوا، وكذلك كلما ظهر وصف مطوي من وصف بيِّن بدائي
استعظموه ورأوا ذلك المحمدي بوصف البدائي المرئي إذ ذاك لهم، وما عرفوا لجهلهم أن هذه الأوصاف التي تبرز كانت مطوية في تلك الحقائق البدائية، فيصرعهم نظرهم هذا عن اللحوق بمرتبة الوراثة وأين هم منها؟ هم في بعد عنها.
وأما القليل من حزب أتباعهم الذين امتلأت قلوبهم إيمانا بالله تعالى، وأيقنوا أن له أسرارا طواها بعباده، وامتاز بعنايته وعظائم أسراره المحمديين رضي الله عنهم، فهم إذا رأوا سرا مطويا برز على يد عبد محمدي ولو بأسلوب رقيق، وطرز أنيق، أعظمته قلوبهم فهابوا المحمدي وترقبوا منه بروز أسرار كثيرة، وانجمعوا ظاهرا وباطنا عنده، وشارفوه بقلوبهم لهيبتهم إياه، فأولئك منهم وارث المرتبة بلا مين؟
وأما من غاب عن حكم المرتبة بعوارض البداية أو
السير وما يطرأ عليه فهو رفيق الحلس لا يبرح من مكانه، هذا إذا لم يسقط، ومثل الفريقين كقوم نظروا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيم أبي طالب، مستأجر خديجة وهلم جرا، وقوم نظروه سيف الله المصلت لإعلاء كلمة الله الذي طوى فيه تعالى قدرة منه، وأقامه برهانا ربانيا نائبا بأمره عنه، فالفريق الأول مهم المحجوبون بل والمنافقون، والفريق الثاني منهم الصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، وذو النورين الأنور، والكرار الأزهر، ومن بعدهم، والكلمة واحدة، ونوبة النبوة المحمدية من جهة حكم السر النبوي سارية، ورجال النوبة على ذلك القدم، وأتباعهم على نوعي الفريقين، والمشهد يُرى عند أصحاب البصائر بتلك العين،
والمحجوبون لهم أعين ولكن لا يبصرون بها، وله ولهم ولكن لا يسمعون ولا يفقهون، ولدقة هذا المشهد الشريف، وكون طريقه صعبا ومزلقة قل رجاله، وأين رجاله؟ رجاله الأحرار الذين ملكت همتهم كل أمل، ولم تصر مملوكة ولا أمل واحد، سلام عليهم ماضيهم وآتيهم ورحمة الله وبركاته.
انتهت (تحفة الأقطاب)، وقد كان قصدي من الإتيان بها إثر هذا الحزب لأسباب كثيرة، رأيت من الحكمة السكوت عنها وتركها لمعرفة القارئ أولى، شحذا لهمته؛ فالموفق الصادق الأديب المخلص حاشا كرم مولانا الكريم أن يحجبها عنه، قال تعالى (والذين اهتدوا زادهم هدى)، وقد يراها أكثر الناس بعيدة عن موضوع هذا الحزب وما تبعه من فوائد، فإن لم يقسم للبعض معرفة سرها فليجعلها في عداد الفوائد، بل هي من أعظم الفوائد
والتحف الفرائد، فيكفيه أن يتأدب بظاهرها بوجه عام، فلعل أدبه يدنيه من الخاصة المقصودين الذين يجب لهم على العموم الاحترام، فيسعد في الدارين، ويقبل عند الفريقين، فالأدب وحسن الظن يوصلان العبد لمجالسة أهل القرب، وفقنا الله والمسلمين لما يحبه ويرضاه آمين.
ولله در السيد الرواس حيث قال:
ولما دعينا والدجى في غلالة إلى الحضرة البيضاء من واسط الشرق
تجلت لنا الأنوار من كل جانب وغبنا بفتح الحق عن جملة الخلق
كذلك من قامت حقيقة روحه إلى الله بالإخلاص والزهد والصدق
يمن عليه الله جل جلاله ويفرغ فيه نقطة الوصل بالخلق
فيزكو بإذن الله في الخلق خُلُقه ويلوي عن الدنيا كما ليَّة البرق
ويصلح بالتوحيد أوهام قلبه على منهج الإيمان في الجمع والفرق
شؤون أفاض الله للخلق سرها فجاءت لأهل الحق من قِبَل الحق
ويعجبني ما قاله أيضا من قصيدة له رضي الله عنه وكأنه يشرح ما سكت عنه:
تمسك بحال العارفين وفعلهم وكن ثابت الأقدام في الحال والفعل
ولا تنقطع عنهم بوصل لغيرهم فسرُّ العُلى في ذلك القطع والوصل
ولازم بصدق بابهم متجردا بكلك في كل الشؤون عن الكل
وخذهم ضَراعا في الأمور وملجأ وركنا على الحالين في العقد والحل
ومني اغتنم أسرارهم وفنونهم فإني أمين السر والفن والنقل
وإني فرع والرفاعي أصله وبالفرع معنى يُستدل على الأصل
تقدمت أعيان الرجال بهمة بها قمت أسرار السماوات أستجلي
وطرت بجنح الصدق للرتبة التي تعالت بطور المجد بالطَّور والطَّول
معان أفيضت عن قلوب كريمة بمهد التقى شبَّت على الحق والعدل
ترقت بباب الله من قلب حِبّه نبي الهدى خير الورى سيد الرسل
عليه صلاة الله ما لاح بارق وطريق مثل في الوجود على مثل
وآل وأصحاب وخُلَّص سادة سوى الله دهرا ما لهم قط من شغل
* * *
تم بحمد الله تعالى